الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي: أعرض عنهم إعراض الصفوح الحليم عمن ينال منه. كقوله تعالى: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: 48]، وقوله: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]، {حَتَّى حِينٍ} أي: إلى استقرار النصر لك.{وَأَبْصِرْهُمْ} أي: بصرهم وعرفهم عاقبة البغي والكفر، وما نزل بمن أُنذر قبلهم، أو أوضح لهم الدلائل والحجج في مجاهدتك إياهم بالقرآن والوحي، فإن لم يبصروا الآن {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} أي: ما قضينا لك من التأييد والنصرة.{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} أي: قبل حلول أجله، وإنه لآت، لأنه يوم الفتح الموعود به.{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} أي: بقربهم وفنائهم: {فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ} أي: فبئس الصباح صباح من أنذرتهم بالرسل فلم يؤمنوا؛ لأنه يوم هلاكهم ودمارهم. قال الزمخشري: مثل العذاب النازل بهم، بعد ما أنذروا فأنكروه، بجيش أنذر بهجومه بعضُ نصاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره، ولا أخذوا أهبتهم، ولا دبروا أمرهم تدبيرًا ينجيهم، حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة، وقطع دابرهم. وكانت عادة مغاويرهم أن يغيروا صباحًا. فسميت الغارة صباحًا، وإن وقعت في وقت آخر. وما فصحت هذه الآية ولا كانت لها الروعة التي تحس بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك، إلا لمجيئها على طريقة التمثيل. انتهى. أي: فهي استعارة تمثيلية، أو في الضمير استعارة مكنية، والنزول تخييلية.{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} قال الزمخشري: إنما ثنى ذلك ليكون تسلية علي تسلية، وتأكيدًا لوقوع الميعاد إلى تأكيد. وفيه فائدة زائدة، وهي إطلاق الفعلين معًا عن التقييد بالمفعول، وإنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به من الذكر من صنوف المسرة، وأنواع المساءة. وقيل: أريد بأحدهما عذاب الدنيا، وبالآخر عذاب الآخرة.{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} أي: المنعة، والقدرة، والغلبة: {عَمَّا يَصِفُونَ} أي: من الشريك، والولد، ونحوهما.{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} أي: سلام، وأمان، وتحية على المرسلين المبلغين رسالات ربهم.{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: على نعمه، التي أجلّها إرسال الرسل لإظهار أسمائه الحسنى وشرائعه العليا، وإصلاح الأولى والأخرى.فوائد في خواتم هذه السورة:الأولى- روى ابن جرير عن الوليد بن عبد الله قال: كانوا لا يصفّون في الصلاة حتى نزلت: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} فصفوا. وقال أبو نضرة: كان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، استقيموا قيامًا، يريد الله بكم هدى الملائكة. ثم يقول: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} تأخّر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبر. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدًا، وتربتها لنا طهورًا».الثانية- روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: صبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر. فلما خرجوا بفؤوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش، رجعوا وهم يقولون: محمد والله! محمد والخميس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر خربت خيبر: إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين». دلّ تمثله صلّى الله عليه وسلم بالآية على شمولها لعذاب الدنيا، أولًا وبالذات.الثالثة- قال ابن كثير: لما كان التسبيح يتضمن التنزيه، والتبرئة من النقص، بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال المطلق مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص- قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن، ولهذا قال تبارك وتعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ} الآيات.الرابعة- روى ابن أبي حاتم عن الشعبي مرسلًا: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليقل آخر مجلسه، حين يريد أن يقوم: {سُبْحَانَ رَبِّكَ} الآيات» وروي أيضًا عن علي موقوفًا.وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم مرفوعًا: «من قال دبر كل صلاة: {سُبْحَانَ رَبِّكَ} الآيات، ثلاث مرات، فقد اكتال بالجريب الأوفى من الأجر».وقد بين الرازي أن خاتمة هذه السورة الشريفة جامعة لكل المطالب العالية. فارجع إليه. اهـ.
|